تسريح الجيوش العربية ضرورة شرعية وشعبية

تسريح الجيوش العربية ضرورة شرعية وشعبية

هذا مقال كتبته بعد احتلال العراق 2003 بشهر تقريبا ونشرته جريدة القدس العربي والشعب ومعظم المنتديات وأعيد نشره بمناسبة الأحداث الجارية. د.هاني السباعي

 

تسريح الجيوش العربية ضرورة شرعية وشعبية

 

 د. هاني السباعي

 

قديماً قال الشاعر:

كيف تنام العين ملء جفونها *** على هبوات أيقظتْ كل نائم

 فكيف تنام العين ملء جفونها على نيران وحمم تصب على العجائز والأرامل والنساء والولدان في العراق.. كيف تنام العين ملء جفونها وبغداد التاريخ والحضارة وفردوس العرب والمسلمين يستأصل أهلها وتهدم مساجدها وتحبس مآذنها وتمزق مصاحفها.. وكيف تكتحل العين بنوم وبلد أبي الأنبياء يدنس ترابها.. فلم تنم أعين الشرفاء في بقاع الأرض خرجوا في تظاهرات عارمة مزمجرة منددة بالعدوان الغاشم الظالم على العراق وتاريخه.. لكن الجيوش العربية نائمة في سبات عميق نوم أصحاب القبور!!

 الشعوب تسأل متى تتحرك هذه الجيوش الجرارة؟ وما الوقت المناسب الذي يخرج المارد من قمقمه؟ ومتى يتمخض الزلزال وتتحرك الجيوش لتدافع عن أراضي العرب والمسلمين في العراق وفلسطين؟!

 ألم تحرك مشاعر هذه الجيوش طائرات البي 52 وصواريخ كروز والقنابل العنقودية ذكية وغبية وهي تصب جام حقدها على أطفالنا ونسائنا وأهلينا في العراق؟!

هذه الجيوش التي تستنزف أموال هذه الأمة المنكوبة دائماً بزعم شراء الأسلحة التي ستحمي أمن الأمة... هذه الجيوش التي لا يعرف الشعب عن حجم ميزانيتها بزعم أن هذا من أسرار الأمن القومي.. والشعب ساكت صامت صبور كيف يجرؤ على سؤال أهل الحكم عن هذه الأموال؟!! كيف نتكلم عن جيشنا المغوار؛ حماة الديار والذمار وتحرير الصبايا الأحرار!! معاذا الله أن نسأل ما ليس لنا به علم!! هذه الجيوش صارت لحماية الأنظمة المنبطحة لحماية حفنة من الحكام: الزعيم المهزوم دائماً والرئيس المسخوط والقائد المخبول والملك طويل العمر قصير النظر.. والملك المفدى: عقلة الصباع (الأصبع)! ولحماية الأربعين حرامي من حاشية هؤلاء الحاكمين!!

هذه الجيوش المتورمة في العالم العربي والإسلامي لم تعد تصلح لحماية أرض أو عرض أو حتى حماية أنفسهم!! فعلى سبيل المثال تعداد الجيش المصري يصل إلى نصف مليون جندي تقريباً بجميع أقسامه: مشاة/مدرعات/بحرية/دفاع جوي/قوات جوية/ استطلاع /مظلات/ قوات صاعقة وما أدراك ما الصاعقة! قوات تأكل الثعابين وتشرب مياه المجاري يعني شغل الحواة!! ومن وراء ذلك حرس جمهوري وأمن قومي ومخابرات عامة ومخابرات حربية ومخبر لكل مواطن هلم جرا!!

فمتى يتحرك هذا الجيش ويوجه مدافعه إلى أعداء الأمة ويتجه إلى العراق ويمر على فلسطين ليدافع بحق عن أمته.. ويسترد في طريقه سيناء كاملة السيادة.. وأم الرشراش وبقيا الوطن السليب.. بدلاً من تصويب أسلحته نحو شعبه!! نسمع جعجعة ولا نرى طحناً!!

أما قوات الأمن الداخلي التي تتبع وزارة الداخلية فهي حوالي مليون جلواز موجهة آلياتهم؛ بنادقهم وعصيهم وجواسيسهم ضد أبناء الشعب الذي يقتطع من قوته لإطعام هذه القطعان من قوات الأمن المركزي وقوات مكافحة الشعب وليس الشغب.. هذه القوات التي يندس أفرادها بين المتظاهرين ليشعلوا النيران في بعض السيارات ويحدثوا فوضى لإفساد التظاهرات بتخطيط طبعاً من دراكولات مباحث أمن الدولة الذين يتلذذون بتعذيب الشعوب وتلفيق القضايا للأبرياء..

والمرء يتساءل: كيف يقوم هذا الجندي بضرب هؤلاء المتظاهرين الذين خرجوا ليرفعوا رأس أمتهم عالياً رافضين الضيم والظلم.. كيف ينهال هؤلاء بهراواتهم وعصيهم بل الضرب في سويداء القلب بالذخيرة الحية كما حدث في اليمن والسودان ومئات الجرحى في مصر وغيرها. هل يظن هؤلاء الضباط وأتباعهم من جنود أنهم معذورون.. لا وألف لا.. (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)..

أعتقد أن هذا الورم الخبيث المسمى بطائفة أمن الدولة هم أس المصائب وهم أعين النظام الذي يجب أن تسمل. وهذه الجيوش التي تستأسد على شعوبها العزل وتستنوق لأعداء الأمة؛ جيوش لم تحرك نخوتها أطفال الحجارة في فلسطين.؛ ولا صراخ العجائز في العراق!. جيوش حارسة لحماية أمن الكيان الغاصب لفلسطين! باعت البلاد والعباد! هذه الجيوش عقبة كأداء أمام نهضة هذه الأمة؛ إنها بحق جيوش لتخويف الشعوب وليس لأمنها.

جيوش تتجسس على الشعب في داخل الأوطان وخارجها، وتعمل لصالح زعيم متآكل مهزوم دائما!! وتحمي أنظمة آيلة للسقوط.. جيوش مستأنسة نظراً لطول عملها في تربية الكتاكيت.. فبدل أن يفتخروا بصناعة الصواريخ صارت التقارير السنوية: تفتخر بأن الجيش نجح في تربية 2 مليون كتكوت!! وتحسين الصرف الصحي!!

 

جيوش لحماية أنظمة (روبابكيا) خردة أكل منها الدهر وشرب!! أليس فيهم بقية من كرامة؟! أليس بينهم وبين إخواننا في العراق نسب من دين أو لغة أو أرض أو تاريخ مشترك أو حتى بقايا شفقة؟!! أليس منهم رجل رشيد؟!!

وإزاء هذه الحالة المستعصية لهذه الجيوش المقعدة نقترح أن تسرح هذه الجيوش من خدمتها، وأن يصدر علماء الإسلام واللجان الشرعية والمؤسسات الدينية فتوى تعلن فيها أن هذه الجيوش خارجة على الشريعة وخارجة أيضاً على دستوره الذي يؤمنون به! فينبغي ألا يعامل هؤلاء الجنود معاملة المسلم العفيف ولا المواطن الشريف! ينبغي أن يزجر هؤلاء وأن يفرق بينهم وبين نسائهم، ولا يصحح العلماء لهم بيعاً ولا نكاحاً، وتبطل شهادتهم لأنهم مادة فاسدة و (غنغرينا) في جسد الأمة. يجب أن يعاملوا معاملة أعداء الشعوب هم وحكامهم.. وهنا فقط تتحرر الشعوب.

د. هاني السباعي

مركز المقريزي للدراسات التاريخية

12ربيع الأول 1424هـ 13 مايو 2003م

بعد احتلال العراق بشهر